بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين .
أما بعد فإن المعلمة تحتل مكانة مرموقة في مجتمعها لما تبذله من عطاء و تضحية من اجل رفعة وطنها و تقدمه . فالمعلمة تلعب دورا كبيرا في بناء الحضارات كأحد العوامل المؤثرة في العملية التربوية، إذ يتفاعل معه المتعلم و يكتسب عن طريق هذا التفاعل الخبرات و المعارف و الاتجاهات والقيم .
و لقد شغلت قضية إعداد المعلمة و تدريبها مساحة كبيرة من الاهتمام من قبل أهل التربية و ذلك انطلاقا من دورها الهام و الحيوي في تنفيذ السياسات التعليمية في جميع الفلسفات و على وجه الخصوص في الفكر التربوي الإسلامي ، و لما كانت المعلمة لها قيمة عظيمة في التراث الفقهي و التربوي، احتلت المعلمة موقعا متقدما من حيث التقدير و التبجيل، مما جعل قضية تكوينها تتأثر باهتمام علماء التربية و الفقهاء.
فالمعلمة ليس خازن للعلم يغترف منه التلاميذ المعارف و المعلومات ، و لكنها نموذج و قدوة. ولأن المعلمة أمينة على ما تحمل من علم كان لا بد لها من صياغة و أن تحافظ على كرامتها و وقارها ، و لا تبتذل نفسها رخيصة، فذلك من شأنها أن تحفظ هيبتها و مكانتها بين الناس .
المعلمة تعتبر الجزء الأساسي من حياة المجتمع الذي يقوم عليه بناء الأسرة الصالحة و السليمة . فلذا لابد من نجاح المعلمة في سير التعليم و لنجاحها لابد من توفر جوانب النجاح و من أهمها ما يلي :
1-الأخلاق و القدوة الحسنة .
2-الكفاءة العلمية .
3-اكتساب الخبرة الواسعة .
و سنوضح هذه الجوانب بالتفصيل في هذه الورقات و تعتبر هذه الثلاثة الجوانب هي أهم ما يلزم في نجاح المعلمة .
بقلم
راجي عفو ربه الأجل
سليمان بن يحيى بن عبدالله الأهدل
حرر بتاريخ : 24 / 10 / 2011م
الأخلاق و القدوة الحسنة
تعتبر الأخلاق الجانب الأساسي لشخصية المعلمة حيث أن الأخلاق هي المنظور و المرئي لشخصيتها . فالأخلاق تكسوها حلية حسنة و تورثها الهيبة و حسن المعاملة و الاحترام . و بالأخلاق تُقوم شخصيتها في المجتمع لتصبح قدوة حسنة يتقدى بها . فالأخلاق تعتمد على التربية التي هي مجموعة المؤثرات المعينة، التي تمتد إلى إحداث تغييرات لدى الأفراد، حتى يكتسبوا سمات الشخصية التي نتفق على اعتبار أنها قد تزودت بالخصائص التربوية. فالأخلاق : غرائز كامنة، تظهر بالاختيار، وتقهر بالاضطرار . لا يصل صاحب الأخلاق إلى هذه الدرجة إلا بعد المرور بمرحلة من تربية النفس نحو الفضائل، وتنحيتها عن الرذائل، إنّ العلاقة بين الأخلاق والتربية هي العلاقة بين النظري والتطبيق. فالأخلاق الفاضلة : من عفو وحلم وعزة وسخاء علم نظري راق، والتربية تعويد النفس على هذه الأخلاق حتى تصبح سجية . فالمعلمة لا تأثر في التعليم إلا بخلقها الحسن و لا يُغرس العلم و لا يرسخ إلا بالقدوة الحسنة التي تقدمها المعلمة من تعاملها المباشر للمتعلمات , لذا لابد من وجود المقومات التالية في المعلمة لتكون ذات الأخلاق الحسنة :
1-المظهر الحسن في شخصيتها من حيث النظافة و الحشمة .
2-تحركاتها و خطواتها بالآداب النبوية .
3-حسن لهجتها و خطابها في مخاطبتها لمن حولها على مختلف الشخصيات .
4-التزامها للآداب النبوية و وقوفها عند العادات و الأعراف الحسنة .
5- بذل الاحترام في معاملتها للآخرين .
بهذا المقومات تصبح معلمة ذات أخلاق حسنة و راقية . يَكنُ لها الفرد و المجتمع بالاحترام و حسن المعاملة . و يجب أن تكون المعلمة قدوة حسنة لتلميذاتها في تعليمها للأخلاق , فالمعلمة في فكر التربوي الإسلامي يشترط أن تعمل بعلمها قال تعالى: " أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم " و لقد حرص الغزالي على أن يبين أن التمسك بالمبادئ و العمل على تحقيقها يجب أن يكونا من صفات المعلم المثالي، فنصح المعلم بأن لا ينادي بمبدأ و يأتي أفعالا تتناقض مع هذا المبدأ و لا يرتضي المعلم لنفسه من الأعمال ما ينهى عنه تلاميذه، و إلا فالمعلم يفقد هيبته و يصبح مثارا للسخرية و الاحتقار فيفقد بذلك قدرته على قيادة تلاميذه و يصبح عاجزا على توجيههم و إرشادهم .
فيجب أن تكون المعلمة قدوة حسنة لغيرها، تتخلق بأخلاق الإسلام، وتتأدب بآدابه، ولتعلم أن أقوالها وأعمالها تتلقى عنها، وأن هؤلاء النشء سينظرون إلى المعلمة ، سينظرون إلى الأقوال التي تتلفظ بها، والأعمال التي تعملوها، إن البنات مرآة تعكس أخلاق المعلمة، فلتتق ربها في ذلك، ولتحرص على أن تكون أقوالها وأعمالها موزونة بالميزان الشرعي، فبذلك تؤدي المعلمة واجبها ... وتختل الموازين حينما تتولى التدريس غير ملتزم بأحكام الإسلام متهاونة في أوامر الله . فالطالبة التي ترى مدرستها في حالة من الميوعة كيف تتعلم الفضيلة؟ والطالبة التي تسمع من مدرستها كلمات السب والشتم كيف تتعلم حلاوة المنطق؟ ولتعلم كل من اشتغلت بالتدريس: أن أقل ما ينتظر من المدرسة المسلمة أن تكون مظهرها إسلاميا وأن يتفق قولها وفعلها وسلوكها مع روح الإسلام ومبادئه... فمثلا: إذا دخلت على طلابها قابلتهم بوجه طلق قال - صلى الله عليه وسلم - " لا يحتقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق " وحياتهم بتحية الإسلام " السلام عليكم ورحمة الله وبركاته " لا بتحية العوام " صباح الخير " أو " مساء الخير " ولتبدأ حديثها بحمد الله والصلاة والسلام على رسوله - صلى الله عليه وسلم - فـ " كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهوا قطع " إلى غير ذلك من الأمور التي تغرس في نفوس الصغار الأخلاق الحميدة .
الكفاءة العلمية
يقصد بها إلمام المعلمة بتخصصها العلمي و مادتها التدريسية، فاهمة لمعانيها، ليس مدعية لذلك بل متحققة من ذلك، فإذا تم لها الإلمام بمادتها حيث محتواها من تفاصيل و فروع، مستوعبة لها متفهمة لأمورها، يمكنها ممارسة مهنة التعليم . و يشير ابن جماعة لضرورة تنمية الكفاءة العلمية أثناء الخدمة ، فينصح المعلم " بدوام الحرص على الازدياد بملازمية الجهد و الاجتهاد و لاشتغال قراءة و إقراء و مطالعة و تعليقا و حفظا و بحثا و لا يضيع شيئا من أوقات عمره في غير ما هو بصدده من العلم إلا بقدر الضرورة ". و المطلوب من المعلمة أن تكون ذا ثقافة واسعة في غير تخصصها أيضا و ربما كانت هذه شائعة في العصور الإسلامية الأولى حيث كانت الموسوعية سمة العلماء و المفكرين . و أن تكون المعلمة غزيرة المادة العلمية ، تعرف ما تعلمته أتم معرفة و أعمقها و على المعلمة ألا تنقطع عن التعليم و أن تداوم على البحث و الدراسة و تحصيل المعرفة . و يستدل ابن جماعة بقول سعد بن جبير (( لا يزال الرجل عالما ما تعلم ، فإذا ترك التعليم و استغنى ، و اكتفى بما عنده فهو أجهل ما يكون )) يقول بعض العرب في إنشادهم:
و ليس العمى طول السؤال و إنما تمام العمى طول السكوت على الجهل .
فالمعلمة إذا شاءت أن تنجح في تعليمها فلا مفر لها على أن تُقبل على الاستزادة من العلم بمادتها و تخصصها و لتكن همتها في طلب العلم عالية و عليها أن تبادر أوقات عمرها إلى التحصيل و لا تغتر بخدع التسويف و التأمل . لذا لابد من وجود المقومات التالية في المعلمة ذات الكفاءة العلمية :
1-إلمامها بتخصصها العلمي و مادتها التدريسية .
2-الاستزادة من العلم بمادتها و تخصصها .
3-أن تكون ذا ثقافة واسعة في غير تخصصها .
4-اطلاعها على كل ما هو جديد في تخصصها .
5-مواكبتها للعصر الحديث بتقنياته و وسائله الحديثة .
فدور المعلمة خطير حيث أنها حلقة الوصل بين المتعلم و الكتاب ، و يجب أن تكون قدوة ، مربية ، مدربة ، موجهة مرشدة ، فالتعليم واحد من مؤسسات مجتمعاتنا التي أصابها الخلل نتيجة الأفكار التي يحملها المعلمون . و هناك أسباب أدت إلى وجود أزمة في العملية التعليمية و هي عدم تأهب المعلمة للتدريس و غياب الإعداد المسبق ، فدخولها الفصل في هذه الحالة يفقدها السيطرة على الطلاب و على المادة الدراسية .
كما أن عدم كفاءة بعض المعلمات للتدريس في المستوى الذي وضعن فيه و عدم اجتهادهن لإثبات أنفسهن في هذا المستوى و قصور النمو الأكاديمي للمعلمة الذي يخضع للعشوائية و الذاتية، بالإضافة إلى قلة الإطلاع و لا سيما في الموضوعات التربوية و عدم امتلاك المعلمات المهارات الأساسية كالتمهيد و استخدام الوسائل و الأسئلة و التعزيز و إدارة الفصل و التلخيص ، كلها تجمعت و ساعدت على ضعف العملية التعليمية لذا كان لا بد من بيان منزلة المعلمة في الفكر التربوي الإسلامي . فالمعلمة في الفكر التربوي الإسلامي تتسم بعدة صفات منها:
* النية الخالصة في أداء واجبها ، عن جابر بن عبد الله أن النبي صلي الله عليه و سلم قال: " لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء ، و لا لتماروا به السفهاء و لا تخيروا به المجالس فمن فعل ذلك فالنار النار" أي أن لا يقصد المعلم دنياه فحسب بل و الآخرة أيضا و يضع التعليم كرسالة لا مجرد وظيفة .
* تحمل هم أمة ، فالمعلمة الرسالية تتفاعل مع قضايا أمتها .
* أن تكون المعلمة المسلمة قدوة لغيره لما لها من تأثير على غيرها.
* أن تكون عطاء لا ينتظر الثناء ، قال تعالى: " قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم" يوسف:55
* أن تراعي الفروق الفردية و تخصصه، حيث لا نجد ذلك في باقي الفلسفات و الثقافات الأخرى، و هناك الكثير من سمات المعلمة المسلمة التي تحمل الفكر التربوي الإسلامي حيث نلاحظ اهتمام الإسلام المتوازن الشامل الكامل في شتى جوانب شخصيتها و التي أدت إلى الحاجة لمعلمة تنهج الفكر الإسلامي .
اكتساب الخبرة الواسعة
و يقصد بها مهارات التدريس التي يجب توافرها في المعلمة لكي تستطيع أن تؤدي عملها على أكمل وجه لتحقيق أهدافها التربوية . و من هذه المهارات :
1- استثارة الدافعية عند التلميذات و وجودها عندها ، فالمفكرون التربويون ينصحون المعلمة بأن تثير دافعية المتعلمة و أن ترغبها في العلم في أكثر الأوقات .
2- مراعاة الفروق المهنية: فلا ينبغي للمعلمة أن تشرك الطالبة عالية التحصيل مع متدنية التحصيل و ذلك لاختلاف قدرة كل منهما، ففي ذلك عدم إنصاف .
و يؤكد الغزالي بقوله بضرورة " ضرورة مخاطبتهم على قدر عقولهم".
3- طريقة التدريس: حيث أشار المفكرون لأهمية طريقة التدريس للمعلمة بأن لا تنقلهم من علم إلى علم حتى يحكموه فإن ازدحام الكلام في القلب مشغلة للفهم . و يتأكد على المعلمة أن تقرب المعنى للتلميذات و تحتسب إعادة الشرح و تكراره و تبدأ بتصوير المسائل و توضيحها بالأمثلة، و ما ورد في مجامع العرب بأن العلم هو ( ما حوته الصدور لا ما طوته السطور) . و من طرق التعليم التي استخدمها المعلمون المسلمون أمثال ابن سينا هو التعليم التعاوني فيقول " إن الصبي عن الصبي ألقن و هو عنه أخذ به و آنس"
4- إدارة الصف : و هي مهارة يجب أن تتمتع بها المدرسة حتي تستطيع تحقيق أهدافها في أحسن جو و أن تصون مجالس درسها في الغوغاء و اللغط و سوء الأدب و أن تعامل طالباتها بأدب، فهذا ابن سحنون يروي عن الرسول صلى الله عليه و سلم بأنه قال: " أيما مؤدب ولى ثلاثة صبية من هذه الأمة و لم يعاملهم بالسوية فقيرهم و غنيهم حشر يوم القيامة مع الخائنين"
5- الثواب و العقاب : و هناك مسألة خلافية كبيرة بين مفكرين العصر و مفكرين الثقافة الإسلامية حيث أن الإسلاميين وضعوا ضوابط للعقاب حتى لا يساء استخدامه من قبل المعلمة و أن لا تلجأ للعقوبة البدنية إلا عند الضرورة القصوى و يجب أن لا تكثر من استخدامها حتى لا تكون روتينا عند التلميذات فتفقد أهميتها، و أن تكون مؤدبة في عقابها رحيمة.
و قد وضح الإسلام العلاقة بين المعلم و المتعلم في ضوء الفكر التربوي الإسلامي، فقد أخذ القابسي بالقاعدة التي تقول:" إن الله ليملي للظالم حتى يأخذه أخذ عزيز مقتدر " ، فالعفو أسبق من العقاب، و الصبر مقدمة الحساب.
الخاتمة
بالإضافة إلى ما سبق ذكره من سمات للمعلمة و التي يجب أن تكون في المعلمة التي تنتهج الفكر التربوي الإسلامي لكي تكون متكاملة قدر الإمكان ، فهناك عدة أمور يجب توافرها في المعلمة لتكون معاصرة ناجحة ، منها:
1- مواكبة التغيرات الحادثة: فالتغير سمة من سمات الكون و ناموس التغير وارد في القرآن الكريم، قال تعالي: " كل يوم هو في شأن" الرحمن:29، فالثورة التكنولوجية الحادثة حاليا جعلت هناك تدفقا هائلا للمعرفة الدقيقة و إرسال كميات هائلة من المعلومات، يجب على المعلمة في ضوئها أن تحسن استخدامها، و تسخرها داخل عمليتها التعليمية لمواكبة التطورات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية ، مما يساعدها على محاربة جميع التحديات التي باتت تغزو بلاد المسلمين.
لقد أصبحت الثقافة العامة الآن بعدا هاما من الأبعاد الأساسية لإعداد المعلمة و التي تزيدها سعة و تعمقا في الفهم و ميولا عقلية تدفعها إلى البحث و الاستزادة من العلم و قدرة على متابعة الجديد و تفسير الاتجاهات و تفهمها.
2- تحديد مصادر برامج إعداد المعلمات وفق الفكر الإسلامي: لأن النظام التعليمي ينمو و يترعرع في ظل فكر فلسفي يغذيه، و يتم تحديد الأهداف لتكوين المعلمة في ضوئها مما يساعد على الحكم السليم في معالجة المشكلات.
3- إعداد المعلمة الباحثة : و ذلك بامتلاك المعلمة وسائل المعرفة العلمية و التقنية، ويتم ذلك من خلال تنمية المهارات العلمية، و محو الأمية التكنولوجية لدي المعلمة و في مقدمتها التعامل مع الحاسوب ( الكمبيوتر ) لمواجهة المشكلات و حلها بطرق علمية صحيحة . لقد أصبح الحاسوب مهما في عصرنا الحديث خصوصا الشبكة العنكبوتية ( الانترنت) فهي تسهل عملية البحث عن المعلومات لذا لابد أن تكون المعلمة تمتلك هذه التقنية و إلا فهي أمية العصر الحديث .
تم بحمد لله تسطير هذه الأسطر التي توضح سير المعلمة الناجحة في التعليم التربوي عصر يوم الاثنين الموافق 24 / 10 / 2011م .
بقلم
راجي عفو ربه الأجل
سليمان بن يحيى بن عبدالله الأهدل
البريد الالكتروني
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] الفيس بوك :
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] facebook.com/suliman.alahdal